الثامن عشر من تموز / يوليو … اليوم العالمي لنيلسون مانديلا

0
1177

في تشرين الثاني / نوفيمبر 2009 اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 تموز / يوليو , اليوم الدولي لنيلسون مانديلا ، اعتراف بإسهام رئيس جنوب افريقيا الاسبق في ثقافة السلام و الحرية .

و اعربت الجمعية العامة في قرارها ( A/RES/64/13 ) عن تقديرها لما يتحلى به نيلسون مانديلا من قيم و تفانية في خدمة البشرية ، اهتماما منه بالقضايا الانسانية في ميادين حل النزاعات و العلاقات العرقية و تعزيز حقوق الانسان و حمايتها و المصالحة و المساواة بين الجنسين و حقوق الاطفال و سائر الفئات المستضعفة و تحسين احوال الفقراء و المجتمعات المتخلفة النمو ، و اعترفت بإسهامة في الكفاح من اجل الديموقراطية على الصعيد الدولي و في ترويج لثقافة السلام في شتى ارجاء العالم.

من هو ( نيلسون مانديلا ) …

( نيلسون روليهلاهلا مانديلا ) : 1918 – 2013

هو سياسي مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وثوري شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994-1999. وكان أول رئيس ذات بشرة سمراء لجنوب أفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق. ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية. سياسيا، هو قومي أفريقي وديمقراطي اشتراكي، شغل منصب رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي في الفترة من 1991 إلى 1997. كما شغل دوليا، منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز 1998-1999.

ولد في قبيلة الهوسا للعائلة المالكة تهمبو، درس مانديلا في جامعة فورت هير وجامعة ويتواترسراند، حيث درس القانون. عاش في جوهانسبورغ وانخرط في السياسة المناهضة للاستعمار، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وأصبح عضواً مؤسسا لعصبة الشبيبة التابعة للحزب. بعد وصول الأفريكان القوميين من الحزب الوطني إلى السلطة في عام 1948 و بدأ تنفيذ سياسة الفصل العنصري، برز على الساحة في عام 1952  في حملة تحد من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وانتخب رئيس لفرع حزب المؤتمر الوطني بترانسفال وأشرف على الكونغرس الشعبي لعام 1955. عمل كمحام ، وألقي القبض عليه مراراً وتكراراً لأنشطة مثيرة للفتنة ، وحوكم مع قيادة حزب المؤتمر في محاكمة الخيانة 1956-1961 وبرئ فيما بعد.

كان يحث في البداية على احتجاج غير عنيف، وبالتعاون مع الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا شارك في تأسيس منظمة رمح الأمة المتشددة  في عام 1961، ألقي القبض عليه واتهم بالاعتداء على أهداف حكومية.

وفي عام 1962 أدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكمت عليه محكمة ريفونيا بالسجن مدى الحياة.

مكث مانديلا 27 عاماً في السجن، أولاً في جزيرة روبن آيلاند، ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر. وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية عملت على الضغط من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة. صار بعدها مانديلا رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ونشر سيرته الذاتية وقاد المفاوضات مع الرئيس ( دي كليرك)  لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994، الانتخابات التي قاد فيها حزب المؤتمر إلى الفوز.

انتخب رئيساً وشكل حكومة وحدة وطنية في محاولة لنزع فتيل التوترات العرقية. كرئيس، أسس دستوراً جديداً ولجنة للحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. استمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. دولياً، توسط بين ليبيا والمملكة المتحدة في قضية تفجير رحلة بان آم 103، وأشرف على التدخل العسكري في ليسوتو. امتنع عن الترشح لولاية ثانية، وخلفه نائبه تابو إيمبيكي، ليصبح فيما بعد رجلاً من حكماء الدولة، ركز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز من خلال مؤسسة نيلسون مانديلا.

أثارت فترات حياته الكثير من الجدل، شجبه اليمينيون وانتقدوا تعاطفه مع الإرهاب والشيوعية. كما تلقى الكثير من الإشادات الدولية لموقفه المناهض للاستعمار وللفصل العنصري، حيث تلقى أكثر من ( 250 ) جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 وميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية ووسام لينين من الاتحاد السوفييتي. يتمتع مانديلا بالاحترام العميق في العالم عامة وفي جنوب أفريقيا خاصة، حيث غالباً ما يشار إليه باسمه في عشيرته ( ماديبا أو تاتا ) ، وفي كثير من الأحيان يوصف بأنه ( أبــــــــو الأمــــــــة ).

كلاركبري، هيلدتاون وفورت هير : 1936 – 1940

ورغبة منه في اكتساب المهارات اللازمة ليصبح المستشار الخاص لبيت تيمبو الملكي، بدأ مانديلا دراسته الثانوية في معهد كلاركبري (، وهي مؤسسة على النمط الغربي وأكبر مدرسة للأفارقة السود في تيمبولاند.وشجع الاختلاط القائم بين الطلبة على قدم المساواة، نيلسون في تغيير طبيعته “المنغلقة”، حيث بنى صداقة مميزة مع فتاة لأول مرة، وبدأ في ممارسة الرياضة وطور حبه للحدائق استكمال الشهادة في عامين، وفي عام 1937 انتقل إلى هيلدتاون ‏، إلى كلية ميثودية في فورت بوفورت مر بها معظم الحاشية المالكة بتيمبو، وكذا جستيس. مدير المدرسة أكد على تفوق الثقافة الإنجليزية، والحكومة، ولكن اهتمام مانديلا تزايد بالثقافة الأفريقية الأم واتخذ أول صديق من خارج كوسا، يتحدث لغة السوتو، وتأثر بأحد أفضل معلميه، رجل من كوسا كسر أحد محرماتها بزواجه بامرأة من السوتو، كان مانديلا يقضي بعض من وقت فراغه في الملاكمة والركض لمسافات طويلة، في السنة الثانية صار مانديلا محافظا.

بدعم من يونجينتابا، بدأ مانديلا التحضير لليسانس الفنون ، وهي درجة في جامعة فورت هير، جامعة النخبة السوداء بحوالي 150 طالبا في أليس، في الكاب الشرقية. هناك درس اللغة الإنجليزية والأنثروبولوجيا والسياسة والإدارة المحلية والقانون الهولندي الروماني في سنته الأولى، رغبة منه ليصبح مترجما أو كاتبًا في وزارة الشؤون المحلية.بقي مانديلا في مهجع ويسلي هاوس، حيث صادق أوليفر تامبو وقريبه ماتانزيما. واصل اهتمامه بالرياضة، أخذ مانديلا دروسا في الرقص، كما تميز في تمثيل مسرحية درامية عن أبراهام لينكون. أصبح عضوا في جمعية الطلبة المسيحيين، وقدم فصولا في الكتاب المقدس للمجتمع المحلي، وصار مناصرا صريحا لجهود الحرب البريطانية عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية.كان لديه أصدقاء متصلين بالمؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) والحركة المناهضة للإمبريالية، ولكن مانديلا تجنب التورط فيها. تلقى مساعدة من لجنة إسكان طلبة السنة الأولى والتي هيمنت على سنواته التالية، فبنهاية السنة الأولى، انخرط في مقاطعة مجلس الطلاب‏ للطعام بسبب نوعيته، والذي كلفه توقيفا مؤقتا من الجامعة، فغادرها من دون شهادة.

السجن

الاعتقال ومحاكمة ريفونيا : 1962 – 1964

في 5 أغسطس 1962، اعتقلت الشرطة مانديلا مع سيسيل ويليامز بالقرب من هويك. وسجن في سجن مارشال سكوار بجوهانسبرغ، وجهت له تهم التحريض على الإضرابات العمالية ومغادرة البلاد بدون إذن. مثل مانديلا نفسه بنفسه واتخذ سلوفو كمستشار قانوني، وسعى لاستخدام المحاكمة كعرض « لنضال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الأخلاقي ضد العنصرية »، في حين تظاهر أنصاره خارج المحكمة   نقل مانديلا إلى بريتوريا، حيث يمكن لويني زيارته، وفي زنزانته بدأ في دراسة بالمراسلات للتحضير لليسانس الحقوق (بكالوريوس في القانون) من جامعة لندن.  بدأت جلسة الاستماع في 15 أكتوبر، وقد أحدث فيها مانديلا إضرابات بسبب ارتداءه للـ «كروس التقليدي» ورفضه استدعاء أي شهود، وتحويل مرافعته إلى خطاب سياسي. اعتبرت المحكمة مانديلا مذنبا، وحكمت عليه بالسجن لخمس سنوات، وعند مغادرته لقاعة المحكمة، أنشد أنصاره أغنية «Nkosi Sikelel iAfrika».

في 11 يوليو 1963، داهمت الشرطة مزرعة ( يليسليف ) واعتقلت من وجدتهم هناك، واكتشفت أوراقا توثق أنشطة MK، والتي ذكرت بعضها مانديلا. بدأت لاحقا « محاكمة ريفونيا » في المحكمة العليا في بريتوريا في 9 أكتوبر، واتهم مانديلا ورفاقه بأربع تهم بالتخريب والتآمر للإطاحة بالحكومة باستعمال العنف. كان بيرسي يوتار هو كبير ممثلي الادعاء، والذي طالب بتوقيع عقوبة الإعدام بالمتهمين، أسقط القاضي (كوارتوس دی ویت )  سريعا ملف الاتهامات لعدم كفاية الأدلة، لكن يوتار أعادة صياغة التهم، وقدم القضية مجددا ما بين ديسمبر وفبراير 1964، داعيا 173 شاهدا ومقدما الآلاف من الوثائق والصور إلى المحاكمة.

باستثناء جيمس كانتور الذي برئ من جميع التهم، اعترف مانديلا والمتهمون الآخرون بتهمة التخريب ولكنهم نفوا أي موافقة على إشعال حرب عصابات ضد الحكومة. واستخدموا المحاكمة لتسليط الضوء على قضيتهم السياسية، إحدى خطب مانديلا – المستوحاة من خطاب كاسترو “التاريخ سيغفر لي” – تناقلتها على نطاق واسع التقارير الصحافية على الرغم من الرقابة الرسمية. جلبت المحاكمة الاهتمام الدولي، مع دعوات دولية لإطلاق سراح المتهمين صدرت من مؤسسات مثل الأمم المتحدة ومجلس السلم العالمي. صوتت جامعة اتحاد لندن على مانديلا رئيسا لها، ونظمت وقفات احتجاجية ليلية أمام كاتدرائية سانت بول في لندن. ومع ذلك، تجاهلت حكومة جنوب أفريقيا جميع طلبات الرأفة، معتبرة بأن المتهمين هم محرضين شيوعين عنيفين. وفي 12 يونيو 1964، اعتبر القاضي دي ويت كل من مانديلا واثنين من المتهمين مذنبين في التهم الأربع، وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة بدلا من الإعدام.

جزيرة روبن : 1962 – 1982

نقل مانديلا وزملائه المتهمون من بريتوريا إلى سجن في جزيرة روبن آيلاند، حيث بقوا هناك لمدة 18 سنة. معزولا عن السجناء غير سياسيين في القسم  B، سجن مانديلا في زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، بها حصيرة من القش للنوم عليها.. لم يسلم من المضايقات الجسدية واللفظية من العديد من حراس السجن البيض، وكان سجناء محاكمة ريفونيا يقضون يومهم في كسر الصخور في المحاجر، حتى نقل في يناير 1965 إلى العمل في محجر الجير. في البداية، منع على مانديلا على ارتداء النظارات، ما تسبب في أضرار دائمة في بصره بسبب الجير. في الليل، كان يحضر لشهادة ليسانس الحقوق، ومنعت عنه الصحف، وكان حبس انفراديا في عدة مناسبات لحيازته قصاصات أخبار مهربة. بعد تصنيفه كسجين بأدنى درجة مراقبة من الدرجة ( D ) ، سمح له بزيارة واحدة ورسالة واحدة كل ستة أشهر، في ظل رقابة صارمة على كل بريده.

شارك السجناء السياسيون في الإضرابات عن العمل وعن الطعام – والتي اعتبرها مانديلا لاحقا بغير الفعالة إلى حد كبير – لتحسين أوضاع السجون، ونظر إليها كصورة مصغرة من النضال ضد الفصل العنصري.انتخبه سجناء حزب المؤتمر عضوا في ” الجهاز العالي ” جنبا إلى جنب مع سيسولو، غوفان مبيكي وريمون مهلابا، وشارك في مجموعة تمثل جميع السجناء السياسيين في جزيرة أولوندي، سمحت له بتوطيد صلاته مع PAC وأعضاء نادي ( يو تشي تشان ).

 أنشأ “جامعة جزيرة روبن”، حيث حاضر السجناء كل حسب خبرته وتخصصه، وتناقش مع رفاقه في مواضيع مثل : الشذوذ الجنسي والسياسة، أدخلتهم في محاججة شرسة مع الماركسيين مثل مبيكي وهاري جوالا رغم مسيحيته وحضوره لقداس الأحد، إلا أن مانديلا درس الإسلام. ودرس اللغة الأفريكانية أيضًا، رغبة منه في بناء احترام متبادل مع السجانين وكسبهم في صالح قضيته.

زار مسؤولون رسميون مانديلا، وكان أهمهم ممثلة الجناح البرلماني الليبرالي هيلين سوزمان من الحزب التقدمي، والتي دافعت عن قضية مانديلا خارج السجن. وفي سبتمبر 1970 التقى النائب البريطاني ( دنيس هيلي ) من حزب العمال. وزاره وزير العدل لجنوب أفريقيا ( جيمي كروجر ) في ديسمبر 1974، ولكنه لم يتوافق مع مانديلا.

زارته والدته في عام 1968، قبل وفاتها بفترة وجيزة، وابنه البكر ثيمبي الذي توفي في حادث سيارة في العام التالي. ومنع مانديلا من حضور جنازتهما، لم تكن زوجته قادرة على زيارته إلا نادرا، لتكرار سجنها بسبب نشاطها السياسي، في حين زارته بناته للمرة الأولى في ديسمبر 1975، خرجت ويني من السجن في عام 1977 ولكنها خضعت لإقامة جبرية في براندفورت، فلم تقدر على زيارته.

بداية من سنة 1967، بدأت تتحسن ظروف السجن، فأعطي السجناء السود سراويل بدلا عن تبابين، وسمح بالألعاب، وتحسنت جودة الأغذية. في عام 1969، دبر بروس غوردون خطة لفرار مانديلا، قبل أن يتم التخلي عنها نتيجة لاختراق عميل من مكتب جنوب أفريقيا للأمن الدولة ، كان يأمل في أن يطلق النار على مانديلا في حال هروبه. في عام 1970، أصبح القائد ( بييت بيدنهوست) الضابط الآمر. وقرر مانديلا، لما شهد زيادة في الإيذاء البدني والنفسي للسجناء، المطالبة بزيارة القضاة، ما أدى إلى نقل بيدنهوست عوضه القائد ( ويلي ويليمس )، وسعى هذا الأخير إلى تطوير علاقة تعاونية مع مانديلا وكان حريصا على تحسين معايير السجون..

بحلول عام 1975، أصبح مانديلا ضمن الفئة (A) من السجناء، فسمح له بعدد أكبر من الزيارات والرسائل. وتراسل مع نشطاء مناهضين للفصل العنصري مثل مانغوسوتو بوثيليزي وديزموند توتو في ذات العام، بدأ كتابة سيرته الذاتية، والتي كانت تهرب إلى لندن، من دون نشرها، واكتشفت سلطات السجن عدة صفحات، فأوقفت الامتيازات الدراسية لمانديلا لمدة أربع سنوات. ما دفعه إلى تكريس وقت فراغه في زراعة الحدائق وقراءة ما يصل إليه، حتى استأنف دراسته للحقوق في عام 1980.

وبحلول أواخر ستينيات القرن الماضي، كانت شهرة مانديلا قد حجبتها شعبية ستيف بيكو وحركة الوعي السود (BCM) ، هذه الحركة، التي كانت تنظر إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بأنه غير فعال، دعت إلى تحرك المناضلين، ولكن في أعقاب انتفاضة سويتو عام 1976، سجن الكثير من نشطاء BCM   في جزيرة روبن.

حاول مانديلا بناء علاقة مع هؤلاء الشبان المتطرفين، ولكنه كان منتقدا لعنصريتهم وازدرائهم للنشطاء البيض المناهضين للفصل العنصري. تجدد الاهتمام الدولي في بمحنته في يوليو عام 1978 عندما احتفل بعيد ميلاده الستين. وحصل على دكتوراه فخرية في ليسوتو، وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي في الهند في عام 1979 وجائزة الحرية لمدينة غلاسكو أسكتلندية في عام 1981 ، في مارس 1980، رفع الصحفي ( بيرسي كوبوزا) شعار “الحرية لمانديلا”، ما أثار حملة دولية دفعت مجلس الأمن الدولي إلى الدعوة لإطلاق سراحه. على الرغم من تزايد الضغوط الخارجية، رفضت الحكومة الرضوخ مستندة على قوة تحالفاتها الخارجية، في ظل الحرب الباردة، بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر، وكانت تاتشر تنظر لمانديلا على أنه شيوعي وإرهابي وأيدت إزالة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.

سجن بولسمور 1982 – 1986

في أبريل 1982، تم نقل مانديلا إلى سجن بولسمور في توكاي، كيب تاون مع كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كـ والتر سيسولو وأندرو ملانجني وأحمد كاثرادا وريمون مهلابا ؛ وأعربوا عن اعتقادهم بأن الهدف من عزلهم هو القضاء على تأثيرهم في النشطاء الأصغر سنا. كانت الأوضاع في بولسمور أفضل مما كانت عليه في جزيرة روبن، إلا أن مانديلا افتقد الصداقة وأجواء الجزيرة. وجود العلاقات الجيدة مع الضابط الآمر ببولسمور، العميد مونرو، سمح لمانديلا بإنشاء حديقة على السطح، والقراءة بنهم والتراسل على نطاق واسع، فسمح له الآن بـ 52 رسالة في السنة. تم تعيينه رئيسا للجبهة الديمقراطية المتحدة متعددة الأعراق  (UDF)، والتي تأسست لمحاربة الإصلاحات التي أقدم عليها رئيس جنوب أفريقيا الأسبق بوتا وكانت حكومة بوتا من الحزب الوطني قد سمحت للمواطنين الملونين والهنود بانتخاب برلماناتهم التي سيكون لها السيطرة على التعليم والصحة والإسكان، ولكن الأفارقة السود استبعدوا من هذا النظام، فرأى فيه مانديلا وكذا جبهة UDF على أنه محاولة لتقسيم الحركة المناهضة للفصل العنصري على أسس عرقية.

تصاعدت أعمال العنف في أنحاء البلاد، وازدادت المخاوف من حرب أهلية. وتحت ضغط من اللوبي الدولي، توقفت البنوك متعددة الجنسيات عن الاستثمار في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى ركود اقتصادي. طالب العديد من البنوك وتاتشر من بوتا باطلاق سراح مانديلا – المشهور عالميا – لنزع فتيل الوضع المتفجر رغم اعتباره لمانديلا بأنه ماركسي متشدد وخطر، إلا أن بوتا عرض عليه في فبراير 1985 الإفراج من السجن بشرط «التخلي عن العنف كسلاح سياسي دون قيد». رفض مانديلا العرض، وأصدر بيانا عبر ابنته زندزي افتتحه بقوله “ما الحرية المعروضة عليا في حين أن منظمة الشعب [ANC] لا تزال محظورة ؟ فقط الأحرار يمكنهم التفاوض. سوى الرجال الأحرار. لا يمكن للسجين أن يتدخل في عقود. “

في عام 1985، خضع مانديلا لعملية جراحية لمعالجة تضخم غدة البروستات، قبل زنزانة انفرادية في الطابق الأرضي. التقى بـ”سبعة أشخاص بارزين”، أفراد وفد دولي للتفاوض للوصول إلى تسوية، ولكن حكومة نظام بوتا رفضت التعاون، وفي يونيو أعلنت حالة الطوارئ ودفعت بالشرطة لفض الاضطرابات. عادت الحركة المناهضة للفصل العنصري للمقاومة والكفاح، فشن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي 231 هجمة في عام 1986 و 235 هجمة في عام 1987. استعمل الجيش والفرق شبه العسكرية اليمينية لمحاربة المقاومة، ومولت الحكومة سرا حركة الزولو انكاثا القومية لمهاجمة أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، لتزيد وتيرة العنف. طلب مانديلا التحادث مع بوتا ولكن طلبه رفض، وبدلا من ذلك اجتمع سرا بوزير العدل Kobie Coetsee   في عام 1987، تلتها 11 جلسة على مدى ثلاث سنوات. رتب Coetsee لمفاوضات بين مانديلا وفريق من أربعة رموز للحكومة ابتداءا من شهر مايو عام 1988. ووافق الفريق على إطلاق سراح السجناء السياسيين وإضفاء الشرعية على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بشرط نبذهم للعنف بشكل دائم وكسر الروابط مع الحزب الشيوعي وعدم الإصرار على حكم الأغلبية. رفض مانديلا الشروط، وأصر بأن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سينهي الكفاح المسلح عندما تتخلى الحكومة العنف.

جذبت مناسبة عيد ميلاد مانديلا 70 في يوليو 1988 الاهتمام الدولي، فنظمت هيئة الإذاعة البريطانية احتفالا موسيقيا بعيد ميلاد نيلسون مانديلا الـ 70 في استاد ويمبلي بلندن. وقدم عالميا كشخصية بطلة، واجه مشاكل عائلية عندما علم من قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بأن زوجته ويني تترأس عصابة إجرامية، كان “نادي مانديلا لكرة القدم” المسؤول عن تعذيب وقتل المعارضين – بما في ذلك الأطفال – في سويتو. وعلى الرغم من تشجيع البعض له بتطليقها، إلا انه قرر البقاء وفيا إلى غاية إدانتها من المحاكمة.

سجن فيكتور فيرستر – ثم الإفراج ( 1988 – 1990 )

تعافى من مرض السل الذي أصيب به جراء الشروط الصحية المتدهورة لزنزانته، في ديسمبر 1988، نقل مانديلا إلى سجن فيكتور فيرستر بالقرب من بارل. هناك، وجد راحة نسبية في منزل الحراس مع طباخ شخصي، واستغل الوقت للتحضير لشهادة ليسانس الحقوق. سمح للكثير بزيارته، أجرى مانديلا من خلالها اتصالات سرية مع زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المنفي أوليفر تامبو في عام 1989، عانى بوتا من جلطة دماغية، فتنحى عن زعامة الحزب الوطني لصالح المحافظ ف.و. دي كليرك، واستبقى رئاسة الدولة في خطوة مفاجئة، دعا بوتا مانديلا إلى جلسة شاي في يوليو عام 1989، اعتبر مانديلا الدعوة برائعة بعد ستة أسابيع انتقلت رئاسة الدولة من بوتا إلى دي كليرك. اعتقد الرئيس الجديد بأن نظام الفصل العنصري غير قابل للاستمرار، فأطلق سراح جميع سجناء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دون قيد أو شرط باستثناء مانديلا. بعد سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989، دعا دي كليرك مكتبه للاجتماع ومناقشة تقنين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وتحرير مانديلا. كان البعض معارضين بشدة لخططه، التقى دي كليرك مع مانديلا في ديسمبر لمناقشة الوضع، اللقاء اعتبره الطرفان بالودي، قبل الإفراج عن مانديلا دون قيد أو شرط وإضفاء الشرعية على كل الأحزاب السياسية المحظورة سابقا في 2 فبراير 1990 .

ترك مانديلا سجن فيكتور فيرستر في 11 فبراير، وقابل الحشود التي اجتمعت والصحافة وهو ممسك بيد زوجته ويني، وقد بث الحدث على الهواء مباشرة إلى جميع أنحاء العالم  انتقل إلى مقر بلدية كيب تاون وسط الحشود، حيث ألقى خطابا أعلن فيه عن التزامه بالسلام والمصالحة مع الأقلية البيضاء، كما أوضح أن الكفاح المسلح لحزب مؤتمر الوطني الأفريقي لم ينته بعد، وأنه سيستمر «كإجراء دفاعي بحت ضد عنف نظام الفصل العنصري». وأعرب عن أمله أن توافق الحكومة على المفاوضات، بحيث ” لا تكون هناك أي ضرورة للكفاح المسلح”، وأصر على أن تركيزه الأساسي هو إحلال السلام لغالبية السود وإعطاؤهم الحق في التصويت في الانتخابات الوطنية والمحلية. في الأيام التالية، مكث في منزل ديزموند توتو، حيث التقى مانديلا بالأصدقاء والناشطين والصحافة. وألقى خطابا على 100,000 شخص في ملعب سوكر سيتي بجوهانسبرغ.

الحقوقي / شوان صابر مصطفى

المصدر /

  • وكيبيديا
  • موقع الامم المتحدة

اترك تعليق

Please enter your comment!
Please enter your name here